كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذكر سبحانه وتعالى من بعد قصة هود قصة صالح مع قومه ثمود، إذ دعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده، وأتى لهم بمعجزة حسية هي الناقة، وقد ذكرهم بما نزل بعاد من قبلهم، وذكرهم بنعمة الله تعالى: {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)} ولكنهم كفروا وعقروا الناقة، فأنزل الله تعالى عذابه الدنيوي، وتولى عنهم هود وقد أبلغهم رسالة ربه.
ومن بعده بعث الله لوطا إلى قومه، وذكر الله تعالى شذوذهم وأهلكهم الله تعالى: {وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين}.
وأرسل إلى مدين أخاهم شعيبا، وقص الله تعالى في السورة قصصه مع قومه إذ دعاهم إلى الحق وإلى صراط مستقيم، وألا يفسدوا ولا يعتدوا ولا يصدوا عن سبيل الله، وقد آمنت طائفة، وطائفة منهم وهم الذين استكبروا، وحاولوا إخراج شعيب قائلين: {لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا}، ولكن الله نجاه منهم، وقال لن نعود في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها.
وقال الذين كفروا للذين آمنوا {لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون}.
وقد أخذتهم بسبب عصيانهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين..، فتولى عنهم شعيب وقال لقد أبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين.
وقد بين سبحانه وتعالى في هذه السورة الكريمة سنته مع الذين يرسل إليهم النبيين أن يختبرهم بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون، ثم يختبرهم من بعد ذلك بالحسنة لعلهم يدركون، {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء...} فإذا كفروا، ولم تردعهم الضراء، ولم يشكروا السراء، أخذهم العذاب بغتة وهم لا يشعرون.
ولقد ذكر سبحانه وتعالى أن أهل القرى، لو أنهم آمنوا لأتتهم النعم من حيث لا يشعرون، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (96)}.
ولقد ذكر سبحانه في هذه السورة المحكمة غفلة أهل القرى أي المدن العظيمة عن أن يأتيهم عذاب الله تعالى في آياته سبحانه وتعالى، وأن الذين يرثون أرضها لا يهتدون، ولا يعتبرون بما كان منهم، {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)}.
ذكر بعد هذه العبرة التي بينها سبحانه وتعالى في سنته في الهداية، وعقاب من لا يهتدون قصة موسى وفرعون، ومعجزة موسى، بل معجزاته مع فرعون، طاغية الوجود الإنسانى في مصر، بل لا يزال مثلا يضرب لكل طاغية في الأرض.
تقدم موسى إلى فرعون يدعوه إلى الله تعالى، وتقدم بعصاه فحرض فرعون قومه أنه يريد أن يخرجهم من أرضهم بسحره.
جاءوا بكل ساحر عليم، وتقدم موسى بعصاه، قاهر موسى للسحرة {أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)}. فأمر الله تعالى موسى أن يلقى بعصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون، فخر السحرة ساجدين، لأنهم علموا أن ما جاء به موسى ليس سحرا.
عاقبهم فرعون وقال: {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)}.
وقد أخذت شيعة فرعون ترد على موسى كالشأن في كل طاغية لا يطغى إلا بشيعة تحسن له الشر، وتفتح له الخير، قالوا لفرعون: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)}.
ولكن بنى إسرائيل يتململون بموسى، ويقولون: {أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ} أخذ الله تعالى آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات، فإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه، وأرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات.
وإذا اشتد الأمر بهم {... قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}، فاغرقهم الله تعالى، وجاوز الله ببنى إسرائيل البحر وأورثهم ملكا بعد أن كانوا مستضعفين في الأرض.
ولكن بنى إسرائيل بعد أن جاوزوا البحر عادت إليهم وثنية الفراعنة {قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)}، وذكرهم الله الذي نجاهم من فرعون وملئه الذين كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، ويسومهم سوء العذاب {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}.
واعد الله تعالى موسى أربعين ليلة {وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)}.
ذهب موسى لميقات ربه {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}، قبل الله توبة موسى وبين له اصطفاءه له {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء...} من أحكام شريعته عليه السلام، ويقول الله عن هذه الألواح: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}، وقد بين- سبحانه وتعالى جزاءهم في الآخرة.
وفى غيبة موسى الأربعين ليلة {واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار}، وزين لهم الشيطان عبادة العجل التي تقبلها المصريون في نفوسهم.
وإن الناس يضلون فإذا رأوا داعية الهداية ذهب عنهم ضلالهم فلما رأوا موسى سقط في أيديهم {وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا، وقال: بئسما خلفتمونى من بعدى، وأخذ يعتب على أخيه هارون {وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي}، أحس موسى بأنه تجاوز في غضبه فاتجه إلى ربه ضارعا {... رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين} وذكر الله ما سينال الذين اتخذوا العجل ولم يتوبوا، وقال سينالهم غضب من ربهم وذلة.
وبعد أن ذهبت ضجة العجل وسكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفيها هدى ورحمة- واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقات الله، فلما أخذتهم الرجفة {قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بهامن تشاء وتهدي من تشاء}
اتجه موسى وقومه ضارعين إلى الله تعالى، وقالوا: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)}.
وذكر منهم ممن تتسع له رحمته: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}.
ويأمر الله تعالى في هذه السورة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر البشارة به بأن يقول: إنه رسول الله تعالى إلى الناس جميعا ويدعوهم إلى اتباعه.
وتعود الآيات إلى قوم موسى عليه السلام فيذكر أن {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} ويذكر أنه سبحانه وتعالى قطعهم في الأرض {... اثنتي عشرة أسباطا أمما}، ثم يذكر سبحانه وتعالى آياته منهم ونعمه عليهم، من ضرب الحجر بعصا {... فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم}، وأنه أنزل عليهم المن والسلوى، وأنه ظلل عليهم الغمام وأنهم لم يشكروا النعمة، بل كفروا بها.
ويذكر حالهم يوم السبت إذ حرم عليهم الصيد فيه {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ}
ولقد يئس بعض المهتدين منهم من هداية إخوانهم فقالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)}، ولقد بين الله تعالى حال الذين نسوا ما ذكروا به، وأنه أنجى الذين ينهون عن السوء، وأصاب الذين ظلموا بعذاب بما كانوا يفسقون، ولقد ذكر الله حال بنى إسرائيل من بعد موسى، فقد بعث عليهم من يسومهم سوء العذاب، وقطعه في الأرض أمما، وورث من بعدهم خلف يأخذون أدنى ما في الكتاب وإن ياتهم عرض يأخذوه، ويقولون سيغفر لنا.
وإن بنى إسرائيل قد مردوا على العصيان وقد أخذ الله تعالى الميثاق ورفع الجبل فوقهم كأنه ظلة، وظنوا أنه واقع بهم وأخذ عليهم الميثادتى، وهم تحت تأثير تلك الآية القاطعة، وقال خذوا ما أتيناكم بقوة، ولكنهم نقضوه ولم ينفذوه. ولقد بين الله سبحانه أنه أخذ {مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى}، ودل ذلك على أن التوحيد دين الفطرة وبين سبحانه أن هذه الآية الفطرية التي أودعها الاخلاف والذرية من ينسلخ منها يتبعه الشيطان ويغويه وتكون كل أعماله في دائرة الشر، {كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا} وأسوأ الأمثال مثل الذين كذبوا بآيات الله: {وأنفسهم كانوا يظلمون}.
وإن من يهديه الله فهو المهتدى، ولقد خلق الله لجهنم كثيرا من الجن والإنس، وهؤلاء لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك هم الغافلون.
وأخذ سبحانه وتعالى في هذه السورة الكريمة يذكر الذين اهتدوا في مقابل الذين كفروا وظلموا، وقال في الذين كفروا: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين}.
ووجه الله تعالى أنظار الناس إلى ملكوت السموات والأرض، وبين أنه {من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون}.
وذكر الله تعالى الساعة وأنه وحده هو الذي يعلمها {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (187) قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}.
بعد ذلك بين الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وزوجه ليسكن إليها، وصور سبحانه ضلال الإنسان بمن تحمل امرأته {حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
وبين سبحانه وتعالى ضلال من يشركون وذكر انهم يدعون في عبادتهم أوثانا لا تضر ولا تنفع سواء أكانوا أحجارا أم غيرها وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (198)}.
ولقد دعا الله تعالى نبيه إلى ما يتجلى به في الدعوة فقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ (202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)}.
ولقد أوصى الله المؤمنين من ضمن وصيته لنبيه {وَإِذَا قرئ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}.
هذه إشارة موجزة إلى بيان ما اشتملت سورة الأعراف إجمالا، ثم نقدمها بين يدى ذكر معانيها، ولنبدأ من بعد ذكر ما يسعه إدراكنا من معانيها والله الهادى. اهـ.